يحتل موضوع الاستهلاك أهمية بالغة في التحليل الاقتصادي سواء على المستوى الجزئي أو الكلي، وذلك لتأثيره الكبير على الاقتصاد باعتباره المحرك الأساس له والدافع على الإنتاج، بالإضافة إلى أن العديد من المشاكل الاقتصادية مردها إلى غياب السلوك الاستهلاكي الرشيد.
كما أن دراسة سلوك المستهلك وتحليله يساعد على تفسير الكثير من الظواهر الاقتصادية ويساهم في حل العديد من معضلات الاقتصاد، و لهذا فقد شغلت نظرية المستهلك حيزا كبيرا من الفكر الاقتصادي الوضعي لفترات طويلة من الزمان، واستحوذت على العديد من الأبحاث والدراسات الاقتصادية التي هدفت إلى تفسير سلوك المستهلك تفسيرا ماديا بمعزل عن الجانب الأخلاقي والعقدي.
كما وجدت دراسات وأبحاث في الاقتصاد الإسلامي تناولت هذه النظرية بالدراسة والتحليل إلا أنها مازالت تحتاج إلى المزيد من الدراسات العلمية المنهجية التي تعمل على إبراز المنهج الإسلامي في سلوك المستهلِك، وتحدد قواعده المنظمة له.
ومن هنا تأتي الحاجة إلى بناء نظرية إسلامية متكاملة لسلوك المستهلك مستقلة عن تصورات الأنظمة الاقتصادية الأخرى؛ تنطلق من نصوص الشريعة الإسلامية وتبنى وفق تصوراتها عن الإنسان والكون والحياة، وتصاغ في إطار منظومتها القيمية والأخلاقية.
وهذا ما حاولت هذه الدراسة بيانه، وقد جاءت في أربعة مباحث أساسية، أما المبحث الأول فحدد مفهوم الاستهلاك والمستهلك في الجانب اللغوي والاصطلاحي، والمبحث الثاني فكشف عن ماهية سلوك المستهلك في علم الاقتصاد، والمبحث الثالث فتناول سلوك المستهلك في النظرية الاقتصادية الرأسمالية، وأما المبحث الرابع فخصص لدراسة سلوك المستهلك في النظرية الاقتصادية الإسلامية، وذُيل البحث بخاتمة تضمنت أهم النتائج المستخلصة من هذه الدراسة، ومن ذلك أن نظرية سلوك المستهلك في الاقتصاد الرأسمالي قد نجحت في إيجاد القوالب النظرية والأدوات التحليلية، لكنها أخفقت في تفسير سلوك المستهلك تفسيرا موضوعيا، وأما نظرية سلوك المستهلك في الاقتصاد الإسلامي فهي نظرية تتكامل فيها الجوانب العقدية والأخلاقية والتشريعية، فلهذا جاءت توازن بين مطالب الروح والجسد، وبين مطالب الفرد والجماعة، ومطالب الدين والدنيا.